معرض القاهرة للكتاب- احتفاء بالمعرفة، تشجيع للقراءة، ونافذة على الأدب العالمي

معرض القاهرة الدولي للكتاب، هذا الحدث الثقافي السنوي البارز، يمثل محطة مهمة في فترة إجازة منتصف العام الدراسي، ويحظى بأهمية بالغة لدى الأسر المصرية كافة.
يتوافد الكثيرون بحرص شديد لحضور هذا المعرض، ساعين للاستمتاع بأوقات مفعمة بالمتعة والفائدة. يحرص الآباء والأمهات على تشجيع أبنائهم وبناتهم على اكتساب عادة القراءة، وذلك باصطحابهم إلى المعرض وإتاحة الفرصة لهم لاستكشاف عالم الكتب المتنوعة، تلك التي تثير فضولهم وتلبي شغفهم للمعرفة، الأمر الذي يسهم في تنمية وعيهم وتعزيز قدرتهم على مواجهة تحديات الحياة.
ولا يقتصر دور المعرض على الجانب المعرفي والثقافي فحسب، بل يمتد ليشمل الجانب الترفيهي لجميع أفراد العائلة. ففي ركن الأطفال، الذي يشهد إقبالاً جماهيريًا كبيرًا على الدوام، تنتشر الأجنحة المتخصصة في بيع الألعاب الترفيهية وأدوات التعليم المبتكرة، بالإضافة إلى تنظيم ورش عمل تفاعلية تهدف إلى تنمية مهارات الأطفال وتشجيعهم على التعلم بأساليب غير تقليدية ومبتكرة. علاوة على ذلك، يوفر المعرض خدمات الرعاية الصحية والتوعوية، وينظم حملات للتبرع بالدم، مما يحفز الشباب على تقديم خدمات إنسانية جليلة للمجتمع.
يشتمل المعرض أيضًا على فعاليات ثقافية متنوعة وغنية، مثل حفلات توقيع الكتب، والندوات الثقافية، والأمسيات الشعرية الممتعة، التي تعمل على تقريب الأطفال والشباب من نماذج ملهمة وناجحة في مختلف المجالات. ولا تقتصر الندوات على الجوانب الثقافية فحسب، بل يمكن أن تتناول مناقشات مع شخصيات مرموقة من عالم الفن أو الأدب أو الرياضة، وهو ما يجذب الشباب والأطفال بشكل لافت، ويدفعهم للتفاعل مع هذه الشخصيات وطرح الأسئلة والتقاط الصور التذكارية معهم.
صناعة المعرفة
يؤكد معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الخامسة والخمسين، والذي يقام خلال الفترة من 24 يناير 2024 إلى 6 فبراير، على مكانة مصر الريادية والثقافية والحضارية العريقة، تلك التي امتدت عبر التاريخ وحتى العصر الحديث. ولذلك، انطلقت هذه الدورة تحت شعار: "نصنع المعرفة.. نصون الكلمة"، تجسيدًا لأهمية المعرفة والحفاظ على اللغة.
وقد تم اختيار عالم المصريات الكبير، الدكتور سليم حسن، ليكون شخصية المعرض في هذه الدورة، وذلك تقديرًا لبصمته المؤثرة والقوية في مجال علم المصريات، من خلال اكتشافاته العلمية القيمة، وأبحاثه المعمقة، ومؤلفاته الغنية التي أسهمت في إثراء فهمنا لتاريخ مصر القديم، وساعدت في توثيق تاريخ الحضارة المصرية العريقة.
كما تم تكريم كاتب أدب الأطفال المصري المبدع، يعقوب الشاروني، واختياره شخصية معرض الطفل، تقديرًا لأعماله الأدبية المتنوعة والمتميزة، ولكونه أحد أبرز رواد أدب الطفل في مصر والعالم العربي.
ومن التقاليد الراسخة للمعرض أيضًا اختيار دولة كضيف شرف رئيسي، وفي هذا العام، وقع الاختيار على دولة النرويج، التي تشارك ببرنامج ثقافي حافل، يضم نخبة من المؤلفين النرويجيين البارزين، مما يتيح فرصة ذهبية للاطلاع على الأدب النرويجي الغني، والتعرف على أبرز الكتاب والاتجاهات الأدبية والمعالم الثقافية النرويجية.
جديد المعرض
خلال زيارتي لمعرض الكتاب في دورته الحالية، لفت انتباهي الانتشار الواسع للكتب المترجمة، ولاحظت أيضًا توجه العديد من دور النشر إلى مجال الترجمة، على الرغم من أن هذا المجال لم يكن ضمن اهتماماتها في السنوات الماضية، وخاصة ترجمة روايات الخيال العلمي والفانتازيا. ولم يعد الأمر مقتصرًا على ترجمة الروايات الحائزة على الجوائز المرموقة، أو الروايات التي أصبحت حقوق ملكيتها متاحة بشكل مجاني.
ففي الماضي، كانت الترجمات تقتصر في الغالب على دور النشر الحكومية، مثل المركز القومي للترجمة، أو دور النشر المتخصصة في مجال الترجمة. لقد كنا محظوظين بترجمة دار نهضة مصر لسلسلة هاري بوتر الأميركية الشهيرة، وبروز جيل كامل قرأ سيد الخواتم وهاري بوتر، مما دفعه لإنشاء دور نشر خاصة به.
كما بدأ هذا الجيل في البحث عن أعمال أدبية مماثلة، مما أدى إلى توجه دور النشر الحديثة نحو ترجمة الروايات الشهيرة التي تحظى بشعبية واسعة بين الشباب، والتي حققت نجاحات كبيرة، مثل روايات الكاتبة كولين هوفر، وهلين برين، وستيوارت تورتون، أو الروايات التي تحولت إلى أفلام أو مسلسلات تلفزيونية تعرض على المنصات العالمية مثل نتفليكس. حتى أن بعض الروايات صدرت ترجمتها العربية بالتزامن مع صدور نسختها الأصلية، مثل رواية "فتاة بحر الزمرد" للمؤلف براندون ساندرسون.
عملية ملهمة
يلعب الوكيل الأدبي دورًا محوريًا في زيادة نسبة الكتب المترجمة، حيث يقوم بزيارة دورية لجميع المعارض العالمية، ويعقد شراكات استراتيجية مع الوكالات الأدبية خارج العالم العربي، ثم يعود محملاً بكتالوجات الإصدارات العالمية الجديدة، ليبدأ في ترشيحها لدور النشر العربية.
أما بالنسبة للعديد من الكتّاب، فإنهم يرون في الترجمة فرصة لتحسين دخلهم، نظرًا للعائد المادي المجزي الذي تدره الترجمة، مقارنة بالتأليف الأدبي الذي تراجعت عوائده المادية في هذه الأيام. بالإضافة إلى ذلك، فإن مدة ترجمة نص أدبي أقصر بكثير من مدة تأليف رواية، التي قد تستغرق عدة سنوات دون تحقيق عائد مادي مجدٍ.
وتعتبر الترجمة في حد ذاتها عملية إبداعية ملهمة، حيث أن قراءة الأعمال العالمية الشهيرة تثري فكر الكاتب، من خلال الانغماس في عملية الترجمة نفسها، والتفكير في صياغات لغوية عربية مناسبة لنقل النص الأصلي بأسلوب سلس ومفهوم للقارئ، بالإضافة إلى التعلم من أساليب الكتابة في الروايات الشهيرة.
وفي نهاية المطاف، فإن ذائقة القارئ هي التي تحدد انتشار أنواع أدبية معينة أكثر من غيرها، وهي التي تلعب الدور الأكبر في تشجيع وانتشار الروايات المترجمة.
